جريمة في ضوء النهار: من سرق “ذاكرة الفن” من شركة حاتم فاروق؟
في مشهدٍ أقرب إلى الحبكات الدرامية، وفي توقيت لم يكن متوقعًا، وقعت واحدة من أكبر عمليات السطو في الوسط الفني المصري، حينما تعرضت شركة الفاروق للإنتاج الفني والسينمائي، المملوكة للمنتج المعروف حاتم فاروق، إلى عملية سرقة منظمة في وضح النهار، قُدرت خسائرها بنحو خمسين مليون جنيه.
قصة ليست عادية، ومشهد لا يشبه إلا الأفلام التي تنتجها تلك الشركة ذاتها… لكن هذه المرة، كانت الكاميرات مطفأة، والسيناريو حقيقيًّا، والضحية ليست شخصية خيالية، بل مؤسسة حقيقية تحطمت أحلامها على يد لصوص محترفين.
الجريمة: سرقة تحت الشمس
في عقار رقم 77 بحي حدائق الأهرام، وفي منتصف النهار، نجح تشكيل عصابي مكوَّن من ثمانية أفراد في اقتحام مقر شركة الفاروق للإنتاج الفني، عبر خطة مُحكمة تضمنت تكسير الأقفال، واقتحام المكاتب، ونهب كافة المعدات والمحتويات.
لم يكن الأمر سرقة سريعة عشوائية، بل جريمة تمت بدقة وهدوء، ما يوحي بأن مرتكبيها كانوا يعرفون تمامًا ما يبحثون عنه. اقتحموا المكان وكأنهم دخلوا إلى بيت يعرفونه، وخرجوا منه كما لو كانوا يغادرون ساحة حرب دون أي خسائر.
المسروقات: ليست فقط أجهزة… بل تاريخ فني
حسب ما صرح به المنتج حاتم فاروق، فإن السرقة شملت:
-
خزينة الشركة بكل ما تحتويه من أوراق هامة ومستندات مالية.
-
كاميرات سينمائية من الطراز العالي.
-
وحدات إضاءة احترافية تستخدم في التصوير الفني.
-
أجهزة مونتاج حديثة تُستخدم لإنتاج أعمال سينمائية وتلفزيونية.
-
هاردات خارجية عليها النسخ الأصلية من أفلام ومسلسلات وإعلانات، بعضها كان في مراحل المونتاج الأخيرة.
-
ملفات إنتاج ضخمة ومحتوى رقمي يمثل سنوات من العمل الفني.
وبتقدير أولي، بلغت قيمة المسروقات حوالي 50 مليون جنيه، وهي خسارة ضخمة ليس فقط على المستوى المالي، ولكن الأخطر أنها خسارة في محتوى إبداعي لا يمكن تعويضه، وأعمال قد لا ترى النور مجددًا.
كاميرات المراقبة والفلاشات المنسية
في البداية، ظن الجميع أن اللصوص نجحوا في محو آثارهم تمامًا. فقد تم تعطيل نظام المراقبة داخل الشركة، ومسح البيانات المخزنة على الأجهزة المرتبطة بالكاميرات.
لكن ما لم يتوقعه الجناة أن المنتج حاتم فاروق احتفظ بنسخة احتياطية من تسجيلات الكاميرات على فلاشات خارجية، كانت محفوظة في مكان منفصل. هذا التفصيل الدقيق أنقذ التحقيقات، حيث تمكن رجال المباحث من استخراج تسجيلات هامة ساعدت في رصد ملامح عدد من المتورطين، وتحديد توقيتات الدخول والخروج، وتحركاتهم داخل أروقة الشركة.
تحريات دامت شهرين… والعدالة تبدأ في التحرك
فور وقوع الحادث، تحركت قوات الشرطة ومباحث حدائق الأهرام، وتم تشكيل فريق تحقيق عالي المستوى، بدأ بجمع الأدلة ومراجعة علاقات الشركة، والعاملين السابقين، وكل من له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمكان.
استمرت التحريات لأكثر من شهرين متواصلين، تم خلالها تحليل الفيديوهات، والاستماع إلى إفادات العاملين، وتتبع الأسواق السوداء التي قد يتم فيها تصريف المعدات الفنية المسروقة.
وبعد التوصل إلى عدد من الخيوط، أصدرت النيابة العامة قرارات ضبط وإحضار بحق عدد من المشتبه بهم، ويجري حاليًا تنفيذ الإجراءات القانونية لضبط المتهمين واستعادة ما يمكن استعادته من المسروقات.
من يحل اللغز؟ من يعيد الذاكرة؟
رغم التقدم في التحقيقات، لا يزال اللغز قائمًا:
-
كيف تمكن ثمانية أشخاص من تنفيذ هذه الجريمة المعقدة في وضح النهار دون أن يشعر أحد؟
-
هل هناك طرف داخلي سهل المهمة؟
-
هل كانت هناك نية لسرقة المعلومات الفنية وليس فقط المعدات؟
-
وهل كان الهدف فقط المال، أم أن هناك من يسعى لضرب الشركة فنيًا؟
أسئلة تطرح نفسها بقوة، وتثير حالة من القلق في الأوساط الفنية، خاصة أن الحادث لم يكن سرقة لمعدات فقط، بل محاولة لمسح ذاكرة فنية كاملة، وتشتيت جهد سنوات من العمل.
كلمة المنتج حاتم فاروق: “لقد سرقوا أحلامي…”
في بيان له، أعرب المنتج حاتم فاروق عن صدمته الشديدة، مؤكدًا أن “ما حدث لم يكن سرقة شركة فقط، بل اغتيال لمستقبل مجموعة من الأعمال الفنية، واعتداء مباشر على جهود عشرات الفنانين والتقنيين الذين تعبوا شهورًا طويلة.”
وأشار إلى أنه لن يستسلم، وسيواصل الدفاع عن حقوقه بكل الطرق القانونية، وأنه يثق في جهود وزارة الداخلية والنيابة العامة لاسترداد المسروقات والقبض على الجناة.
الفن في وجه الجريمة
هذه الجريمة كشفت عن ثغرات أمنية خطيرة في حماية شركات الإنتاج، وفتحت بابًا للنقاش حول تأمين مقرات الأعمال الفنية، التي تضم محتوى يمثل ثروة قومية، لا تقل أهمية عن أي ممتلكات أخرى.
كما تؤكد الواقعة أن الإبداع في مصر بحاجة إلى حماية أكبر، ليس فقط من الرقابة الفنية، بل من المخاطر الإجرامية التي تهدد استمراريته.
لا تزال القصة مستمرة.
التحقيقات جارية، والأمل لا يزال قائمًا في كشف كل الخيوط، والقبض على العصابة، وربما — في لحظة ما — تُستعاد بعض المسروقات، ويعود الضوء إلى ذلك المكان الذي عرف الفن… ثم عرف الخيانة.
في عقار 77 بحدائق الأهرام…
وقع اللغز، وبدأت الحكاية، لكن النهاية لم تُكتب بعد.
فمن يحل هذا اللغز؟
ومن يعيد ذاكرة الفن المسروقة؟